إنتاج كتابي : حديقة الحي
تتوسّط حيّنا الصغير منطقة خضراء كأنها قطعة من الجنة هواءها يشفي العليل وجمالها ينعش المعافى . كنا قد غرسنا فيه أشجار خضراء متشابكة الأغصان و زهورا مزركشة أمّا العصافير و الفراشات فقد وجدت فيها ملاذا آمنا فلم تفارقها مطلقا .
هذه الحديقة الغنّاء هي الشيء الوحيد الذي نتميّز به عن بقيّة الأحياء . لعبنا فيها و تسابقنا إلى أن جرى الدّم في عروقنا و تورّدت خدودنا و انبسطت أساريرنا . لقد كنت ألجأ إليها كلــّما أحسست بالملل و الضّجر و كلما أحسست بالحاجة الى مطالعة كتاب أو قراءة مجلة . و ذات يوم بينما كنت في جمع من الاصحاب، نمضي أوقاتا مفيدة ، هذا يتصفّح كتابا و الآخر يلعب مع صديقه لعبة الشطرنج ،إذ بمجموعة من الشبّان الغاضبين المزمجرين يقبلون علينا و في أيديهم فؤوس و في عيونهم شرر متطاير ، بدأوا بقطع أغصان الأشجار و لم تسلم الورود و الرياحين من شرهم فقد اقتلعوها و رموا بها على الأرض و داسوا النباتات الأخرى و أخذوا يعبثون بكل شيء . بقينا مذهولين فاغري الأفواه و الحزن يعتصر قلوبنا الصغيرة، لم نقدر على الدّفاع عن حديقتنا التي ألفناها و ألفتنا.
و لما رأونا نرمقهم بنظرات السخط و الاشمئزاز من فاحش صنيعهم انهالوا علينا ضربا مبرّحا بأغصان الأشجار و هم يضحكون ملء أشداقهم، ثم انصرفوا غير عابئين بآلامنا.
صاح أخي الصغير باكيا: “لقد أفسدوا كلّ شيء، الأشجار، الورود، النباتات العطرية، أعشاش العصافير، لم يتركوا شيئا على حاله، لماذا فعلوا هذا؟”.
كان الحزن يملأ نفسي و يعتصر فؤادي و كأنّ أحدهم يمزّقني في داخلي ” ثم أردف منير
“ماتت حديقتنا التي قضينا كامل أوقات فراغنا نرعاها ” صمتنا طويلا ناكسي الرؤوس ثم
قلت مسترجعا تفاؤلي المعهود :” أصدقائي ، لا يجب أن نيأس ، إنّ ما فعلوه بحديقتنا شنيع و لكننا سنفعل المستحيل لنعيد لها الحياة من جديد ”
وقفت مريم و أردفت قائلة :” لا تيأسوا يا أصدقائي ، سوف لن يذهب جهدنا سدى . أقترح عليكم إعادة غراسة الأشجار و الزّهور ، فلنحييها من جديد”. صاح الأصدقاء مستبشرين مهللين و بريق النصر يتلألأ في عيونهم :
” موافقون، هيّا بنا إلى العمل و الكدّ ، سننجح بإذن الله تعالى و “يد الله مع الجماعة ”
قرّرنا أن نشرع في العمل بدون أي تباطء فقمنا بتقسيم الأدوار و تحضير مستلزمات العمل و اقتنينا المشاتل المناسبة ثم شرعنا في عملنا بكدّ و نشاط : محمّد يجمع الفضلات في أكياس سوداء ، مريم تجمع الأغصان و تساعدها هيفاء ، مراد اهتمّ بإعادة تقليم الأشجار و زينب اهتمّت بالسّقي . أمّا أخي الأكبر فقد أشرف على حسن سير العمل و متابعة كلّ واحد منّا .
و بعد ما أنهينا عملنا شرعنا نعلّق لافتات مليئة بحكم و مواعظ ينهل منها كل ذي لبّ سليم . و هكذا مرّ اليوم كلّه بجدّ و عمل. ثمّ بقينا ننظر بفخر و اعتزاز إلى ما صنعت أيادينا المتقنة.
لتصفّح تحميل مشاهدة أو طباعة الملف كاملا, أنقر الرّابط التّالي:
موقع مدرستي هو موقع تعليمي تربوي غني بالموارد التعليمية كالإمتحانات و التّمارين و التّقييمات و الأناشيد و المعلّقات و غيرها التي تهم كل من التّلميذ و الولي و المربي على حد سواء و نشير إلى أن محتوايات هذا الموقع هي من مجهودات الفريق العامل عليه و نرجو منكم إخواني أخواتي مشاركة المنشورات في مواقع التواصل الإجتماعي مع ذكر المصدر وشكرا.