إنتاج كتابي : مساعدة الجار المريض ( 2 )
الموضوع : كنتم تسهرون كالعادة و قد عاد الجميع إلى المنزل إذا بطرقات عنيفة على الباب الخارجي تحدّث.
******
في إحدى ليالي القرّ حيث يكون البرد قارسا ينفذ إلى العظام فتصطكّ الأسنان و ترتعش الأوصال، كنّا مجتمعين في غرفة الجلوس نتسامر و نتجاذب أطراف الحديث و يحكي كلّ منّا ما حفظه من الملح و القصص الطّريفة. كانت أمّي توقد الكانون لنصطلي على وميض لهبه و نسهر إلى أواخر الليل و قد لاحت على وجوهنا علامات الطمأنينة و الغبطة.لكن ذلك لم يدم طويلا فقد تناهت إلى مسامعنا طرقات مرعبة تتوالى على الباب الخارجيّ فتبادلنا نظرات الاستغراب واشتدّت بنا الحيرة و عصف بنا قلق هائل جعلنا فريسة سهلة لأفكار شتّى تتنازعنا و تتقاذفنا ذات اليمين و ذات الشمال و تتلاعب بنا كالريشة في مهبّ الريح.
- أيكون السارق قد قرر الدخول من الباب؟ أردف أخي و قد انتصب شعر رأسه خوفا من الطارق الغريب و ارتمى في حضن أمّي باكيا .
قال أبي بلهجة المستفسر :
- من الطارق في هذا الهزيع الأخير من الليل؟
فأجاب الشخص الغامض بلهجة يستشف منها الاضطراب و القلق :
- هذه أنا جارتكم أمّ محمود ، افتحوا لي من فضلكم.
عندئذ تدخّلت أمّي قائلة و علامات القلق بادية على محيّاها.
- جارتي أم محمود ؟ ما الذي أتى بها .
تقدّم أبي بخطوات واثقة و فتح الباب فإذا هي جارتنا في حالة يرثى لها قد علمنا من نظراتها اليائسة و وجهها الشاحب و دمعها الملتهب المنهمر على وجنتيها الحمراوين أنّ شيئا مريعا أصابها.
و بعد أن هدأ روعها سألها والدي مضطربا :
- ما الذي حصل يا جارة؟
فأجابته مرتبكة: إنّه ابني و فلذة كبدي، لقد ألمّ به مرض و استفحل في كامل أجزاء بدنه فلم أدر كيف أتصرّف فجئتكم أسألكم الإعانة.
صدمنا لهول المفاجأة و لم نصدّق ما سمعته آذاننا و دون تردّد استدعى والدي سيارة الإسعاف و نقل يوسف إلى المستشفى حيث استقبله هناك أطبّاء مختصّون و فحصوه فحصا دقيقا بينما كنّا في غرفة الانتظار نترقّب النتيجة و قد ساورنا القلق و تملــّكتنا الهواجس و لمّا خرج الطّبيب أحاطنا به ننتظر منه جوابا يشفي غليلنا فقال لنا مطمئنّا:
-حالته ليست خطيرة لكن عليه البقاء مدّة في المستشفى حتّى يشفى.
فتنفسنا الصعداء و تهلــّلت الأسارير و مسحت الأمّ دمعا ترقرق على عينيها و خفّ ما بها .
و تتالت الأيّام فكان يوسف يتلقّى العلاج الملائم له فتماثل للشفاء و عادت الاشراقة إلى وجهه و عاد الفرح و السرور ليغمرا قلبه الصغير و عادت إليه صحته و عافيته كاملة. فشكرتنا أمه جزيل الشكر قائلة:
- شكرا لكم على معروفكم و إني لو الله ممتنّة لكم و تأكدوا أن عمل الخير لا يضيع.
فأردفنا قائلين في سرور وابتهاج:
- لا عليك إن ما فعلناه لم يكن غير واجبنا نحوك.
لمشاهدة ، تحميل او طبع الملف برابط مباشر : أنقر الرابط التالي :