شرح و تفسير سورة النبأ
سورة النبأ
الشَّرح:
“عَمّ يَتَسَاءَلُونَ” (1) أَيْ عَنْ أَيّ شَيْء يَتَسَاءَلُ المشركون مِنْ أَمْر الْقِيَامَة إِنْكَارًا لِوُقُوعِهَا
عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (2) النَّبأ: الخَبَرُ ، الْعَظِيم يَعْنِي الْخَبَر الْهَائِل الْبَاهِر و المقصودُ بقولهِ تَعَالَى : ” النَّبَأُ العظيمُ ” هو البعثُ بعدَ الموتِ.
الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ (3) يَعْنِي النَّاس فِيهِ مختلفون عَلَى قَوْلَيْنِ فمنهم من يصدّق وقوعه و منهم من يُنكره.
كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (4) هَذَا تَهْدِيد شَدِيد من الله سبحانه.
ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (5) تأكيد على التهديد والوعيد.
أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا (6): مِهَادَا: مهادا: فراشاً موطَّأ للاستقرار عليها و المِهاد: المكان المُمَهَّدُ. يُبَيِّن الله سبحانهُ وتعالى قُدْرَته الْعَظِيمَة عَلَى خَلْق الْأَشْيَاء فَقَالَ أَلَمْ نَجْعَل الْأَرْض مِهَادًا أَيْ مُمَهَّدَة للمخلوقات مذلّلة لَهُمْ فالإنسان يستغلّ خيرات الطّبيعة كيفما يشاء لفائدته و لصالحه بفضل من الله.
وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا (7) تُمَثِّلُ الجِبالُ أوتادًا للأرض تثبّتها و تدعمها و تجعلها قارّة ساكنةً لا تَضطَربُ بِمَنْ عَلَيْهَا .
وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا (8) الزوج هو الذكر و الانثى ، يتزاوجان فيؤسّسان عائلة لتستمرّ ذريّة آدم على الأرض
وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا (9) سُبَاتَا: راحة. جعل الله سبحانه نوم الانسان راحة له بعد تعب يوم كامل لأنّ الأعضاء تكلّ وتملّ من الحركة فَإِذَا جَاءَ اللَّيْل سَكَنَتْ الْحَرَكَات فَاسْتَرَاحَتْ.
وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا (10): لباسا: سترا، ستر، الستائر: قماش يسدل على النوافذ ليحجب ما في البيت عن الخارج.
يستر اللّيل العباد و المخلوقات بظلامه فتسكن المخلوقات و ترتاح و هذا فضل من الله سبحانه أن جعل حياة الانسان مُراوحة بين اللّيل و النّهار ، بين العمل و الرّاحة و لو جعل الله الحياة كلّها نهارا أو ليلا فقط فلن تستقرّ حياة الانسان .
وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا (11) : جَعَلَ اللهُ النّهارَ مُشْرِقًا مُضِيئًا لِيَتَمَكَّن النَّاس مِنْ العمل و التَّصَرُّف فِيهِ للقيام بمتطلّبات عيشهم.
وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا (12) : يَعْنِي السَّمَوَات السَّبْع وهي تتميّز باِتِّسَاعهَا وَارْتَفَاعِهَا وَإِحْكَام صنعها فهي تحتوي ملايين الكواكب التي تسير وفق مسارات منظّمة.
وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا (13) : يَعْنِي الشَّمْس الْمُنِيرَة ذات الوهج الذي يضيئ الأرض و لو أطفأ الله سبحانه الشّمس لاستحالت الحياة على الأرض حيث يعمُّ الجليد و تنعدم النباتات و تموت الكائنات.
وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا (14) : المُعصرَاتِ : السُّحُبُ المُمْطرةُ – ثَجَّاجَـــــــا : ثجَّ المَاءُ يثجّه أي أساله و صبّه، و المقصود به هنا ماء منصبّا بكثرة مع التّتابع.
من رحمة الله سبحانه نزول الأمطار التي تحمل معها الخير و البركة للكائنات جميعا فالماء أصل الحياة كما قال الله تعالى ” و جعلنا من الماء كلّ شيء حي”
لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا (15) : بعد أن تنزل الأمطار الغزيرة تنبت أشكال مختلفة من النباتات بفضل من الله و رحمته بعباده.
وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا (16) : جنّات ألفافا : بساتين وَحَدَائِق ملتفّة أشجارها بعضها ببعض و محمَّلَة بالثَّمار المُتَنَوِّعَة وَ الأَلْوَان المُخْتَلِفَة و هذه أيضا نعمة من الله سبحانه و تعالى على النّاس .
إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا (17) : كان ميقاتا : وقتا مضروبا للحساب أي موعدا للحساب.
- يوم الفصل : يوم القيامة يفصل فيه بين الخلائق وهو يوم له أجل معيّن لا يعلمه إلاّ الله سبحانه و تعالى .
يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا (18) : الصُّورِ : البوق الكبير، و المقصود من النّفخ فيه هو الاعلان عن يوم القيامة.
عندما يموت الانسان و يُدفنُ فإنّه يَبْلَى أي يصبح رمادا و لا يبقى منه إلاّ عَظْمٌ وَاحِدٌ وَهُوَ عَجْب الذَّنَب وَمِنْهُ ينبت الانسان و يُرَكَّب يَوْم الْقِيَامة فبعد أن يُنفخ في الصُّور يُنْزِل اللَّه مِنْ السَّمَاء مَاء فَيَنْبُتُ النّاس كَمَا يَنْبُت الْبَقْل 0(أي مثلما تنبت البقول كالفول أو العدس أو الجلبّان )
وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا (19) : أبواب أَيْ طُرُقًا وَمَسَالِك تنزل عبرها الْمَلَائِكَة .
وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا (20) : أَيْ يُخَيَّل إِلَى النَّاظِر أَنَّهَا شَيْء وَلَيْسَتْ بِشَيْءٍ
إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا (21) : مرصادا : المرصاد هو موضع الترصّد و الترقّب.
أَيْ مُرْصَدَة مُعَدَّة يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَدْخُل أَحَد الْجَنَّة حَتَّى يمرّ فوق الصراط فتترصّده النّارُ فإذا كان من المؤمنين الذين أطاعوا الله في الدنيا فإنّ النّجاة من النار مصيره و إلاّ اِحْتَبَس في النار.
لِلطَّاغِينَ مَآَبًا (22) : مآبا : المآب هو المرجع و المنزل. ” لِلطَّاغِينَ ” هُمْ الْعُصَاة و الكافرون الْمُخَالِفُونَ لِلرُّسُلِ ، ” مَآبًا ” أَيْ َمَصِيرًا وَنُزُلًا فتصير جهنم دارا لهم .
لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا (23) : أحقابا : مفرده الحقب، و المراد هو الدّوام. الْأَحْقَاب لَيْسَ لَهَا عِدَّة إِلَّا الْخُلُود فِي النَّار فلا نهاية لعذابهم .
لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا (24) : أَيْ لَا يَجِدُونَ فِي جَهَنَّم بَرْدًا لِقُلُوبِهِمْ وَلَا شَرَابًا طَيِّبًا يَتَغَذَّوْنَ بِهِ .
إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا (25) : الْحَمِيم فهُوَ الْحَارّ الَّذِي قَدْ اِنْتَهَى حَرّه و هذا العذاب شديد جدّا لا راحة فيه.
جَزَاءً وِفَاقًا (26) : هذا العذاب الذي سيرونه في الآخرة هو نتيجة و جزاء لأعمالهم الْفَاسِدَة الَّتِي كَانُوا يَعْمَلُونَهَا فِي الدُّنْيَا
إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا (27) : أَيْ لَمْ يَكُونُوا يَعْتَقِدُونَ أنّ هناك مكانا سيُجَازَوْنَ فِيه أو يُحَاسَبُونَ.
وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا كِذَّابًا (28) : كانوا في الدنيا يكذّبون الرّسل و يعاندون في كذبهم فينكرون آيات الله و دلائل قدرته و عظمته.
وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا (29) : لكلّ انسان ملك عن اليمين وملك عن الشمال يكتبون أفعاله وسيجزي الله عباده فإن كانت أعماهم خَيْرًا فَجزاءهم خَيْر وَإِنْ كانت شَرًّا فَجزاءهم شَرّ.
فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا (30) : يُقَال لِأَهْلِ النَّار ذُوقُوا مَا أَنْتُمْ فِيهِ فَلَنْ نَزِيدكُمْ إِلَّا عَذَابًا فلا راحة و لا هدنة و لا استكانة بل هو عذاب مستمرّ.
إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا (31) : مفازا : المفاز : فوز بالنعيم و الثواب. يفوز المتّقون بما يكرمهم به الله سبحانه من النَّعِيم.
حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا (32) : ” حَدَائِق ” وَالْحَدَائِق الْبَسَاتِين مِنْ النَّخِيل وَغَيْرهَا .
وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا (33) : كواعب أترابا: بنات في سنّ واحدة.
وَكَأْسًا دِهَاقًا (34) : كأسا دهاقا : كأسا مملوءة مترعة : فاض منها الماء
في حين لا يجد أهل النار إلاّ الحميم الغسّاق فإنّ أهل الجنّة ترويهم الملائكة بماء عذب زلال .
لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا (35) : اللّغو : ما لا يُعتدّ به من الكلام : كلام تافه ( سفاسف)- لَيْسَ فِي الجنّة كَلَام لَاغٍ وَلَا كَذِب بل الجنّة دار السّلام التي لا نَقْص فيها .
جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا (36) : جَازَاهُمْ اللَّه بِهِ وَأَعْطَاهُم إيّاه بِفَضْلِهِ وَرَحْمَته
- عَطَاء حِسَابًا أَيْ كَافِيًا وَافِيًا لما عملوا.
رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا (37): الله سبحانه العظيم رَبّ السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمَا فِيهِمَا وَمَا بَيْنهمَا، وهو الرَّحْمَن الَّذِي شَمِلَتْ رَحْمَته كُلّ شَيْء
لا يملكون منه خطابا : أي لا يملكون أن يخاطبوا الله من تلقاء أنفسهم.
يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا (38)
- الرّوح : الملك جبريل عليه السلام.
يوم القيامة تصطفّ الملائكة في موقف مهيب ولا يتكلّمون إلاّ بإذن من الرحمان سبحانه ولا يقولون إلاّ الحقّ والصّواب.
ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآَبًا (39): اتّخذ إلى ربّه مآبا: اتخذ إلى ربّه مرجعا بصالح الأعمال.
إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا (40):
ينذر الله بني البشر و يؤكّد لهم مجيء يوم القيامة و أنّه آت لا محالة بل أنّ وقوعه قريب جدّا فبداية يوم القيامة لكل فرد تبتدأ لحظة موته و الموت يأتي على حين غرّة و في أي وقت من عمر الانسان.
و يوم الحساب تعرض عَلَى الانسان جَمِيع أَعْمَاله خَيْرهَا وَشَرّهَا فحين يرى الكافر أعماله الشريرة يتمنّى لو أنّه كان ترابا لا قيمة له و لا أثر و أنّه لم يُخلق أبدا .
لتحميل او طباعة كامل الملف ( 5 صفحات ) : انقر الرابط التالي