نص أسرة فقيرة للأديب طه حسين
من حولِك أفراد من الشعب ينشطون كثيرا و ينالون قليلا و هم مع ذلك قانعون.
- كانت محبوبةُ امرأة نَصَفًا (1) تطوفُ بأهلِ القريَةِ و تصنعُ لَهُمْ من الذُّرَةِ (2) نوعا من الخبزِ، رقِيقًا مُستديرًا واسعا، لا تُحسِنُ أن تَصْنَعَ غيرهُ من القَمحِ . فكنتَ تَرَاهَا في آخر اللَّيْل مُلمَّة بِهذِهِ الدَّارِ أو تلكَ ( 3) ، تُهيـــــّئُ العجينَ ، و في أوَّل النَّهَــــــــــــــــار، جَالسة أمام الفرنِ تُديرُ بيدها السّريعة الصّنيعة (4) قطع العجين و تعُودُ مع الضُّحى الى بيتها و هي تحملُ معها طائفة من هذا الرّقيق، فتعيشُ عليها مع زوجها و بنيها في كثير من الأيّـــــــــام. و قد يُضيفُون إليه أحيانا شيئا من الإدام.(6)
- و كان شعبانُ بنّاء متواضعا ، يقيمُ الدُّور التي تُتّخذُ من قطع الطّين الغليظ، يُضافُ بعضُها إلى بعض حتّى إذا ارتفعت و بلغت القامة مُدّ عليها شيءٌ من سعف النّخيل ، فاستقام منها بيت يأوي إليه البائسُون فيقيهم أيسر ما ينبغي أن يتّقُوا من عاديات الطّبيعة (7) . و كان رزقُهُ يُقتّر عليه تقتيرا (8) ، إذ هو يعملُ اليوم أو اليومين ليظلّ بعد ذلك مُتعطّــــلا الأيّـــــام و الأسابيع. و هو مع ذلك يُنفقُ على أهله من هذه النُّقُود القليلة يكسُوهُم إن استطاع، أو يُمتّعُهُم بقليل من الطّيّبات (9) إن قدر على شيء منها.
- أمّا خديجة -ابنتُهُما الكبيرةُ – فهي تعملُ في دار من دُور اليسار (10) تذهبُ مع الصُّبح المسفر (11) ، فتبذُلُ كُـــــلّ نشاطها في خدمة أهل الدار، و تعودُ مع اللّيل المظلم إلى بيت أبويها. و كانت راضية بهذه الحياة ، باسمة لها على ما تشعرُ به من حُزن لا يُبينُ عنهُ لسانُها ( 12) . فكانت تُفكّر في بُؤس أبويها و إخوتها و لكنّها لا تُعبر عن خواطرها الكئيبة الحزينة بلفظ أو لحظ أو حركة.
و لا أدري أهي القناعةُ (13) بما سيق إلى أهلها من رزق، أم الصّبرُ على عاديات الزّمان… (14) طه حسين ( بتصرف)
الشرح :
- امرأة نَصَف ˸ من كانت في منتصف العمر
- الذّرة ˸ ( القطانية – العبيدية )
- ألمّ بالدّار ˸ نزل بها لقضاء مدّة قصيرة
- يد صنيعة ˸ يد حاذقة و ماهرة
- تستردّها منها حامية ناضجة ˸ أي تخرج الخبز من الفرن سخنا و صالحا للأكل
- الادام ˸ ما يؤكل مع الخبز كالمرق فيجعله مستساغا للأكل.
- يقيهم من عاديات الطبيعة ˸ يحميهم من بردها و حرها و مطرها و رياحها.
- كان رزقه يقتّر عليه تقتيرا ˸ قتّر عليه الرّزق : أي ضيّق فيه و ناوله ايّاه بمقدار ضئيل و المعنى هنا أن مدخول شعبان كان طفيفا.
- الطيّبات ˸ الطيّبات من الرزق ˸ ما لذّ و طاب منه.
- دور اليسار ˸ اليسار هو الغَنَاء- و دور اليسار ˸ ديار الأغنياء
- الصّبح المسفر˸ الصّبح الباكر- الطالع
- حزن لا يبين عنه لسانها ˸ خديجة حزينة لكن لا تظهر حزنها و لا تشعر غيرها به و لا تشكو حالها لأحد.
- القناعة ˸ قنع بحاله أي رضي بها…
- الصّبر على عاديات الزّمان ˸ تحمّل ظروف الدّهر و مصائبه و مكارهه بدون شكوى أو تبرم.
لتحميل او طباعة كامل الملف ( 2 صفحات) : انقر الرابط التالي