نص الموسم الكبير – وصف موسم الحصاد التقليدي

الموسم الكبير

  1. انطلقتُ و أخي إلى الحقلِ، و الضّباب (1)  يتصاعد أبيضَ شفَّافًا تحملهُ نسمةٌ بليلة (2)  من عطرٍ عميقِ الشّذى و هو مزيج من فوح السَّنابل و الزَّيتون، و أشجار الغابة البرّيَّةِ.

و لم تلبثِ الشَّمْسُ أن ارتفعت، و بدأت خيوطها الذّهبيةُ تتغلغلُ بين السّنابل الحانية(3)  و تتكسّرُ على جُدُران البُيُوت و الحجارةِ. فإذا التُّربة و الحجارةُ و السّنابلُ و الأشعّةُ كالذّهبِ و إذا الأرضُ و ما عليها عطورٌ شذيّةُ العبير(4) ،  تملأُ الجوَّ نشوةً و صفاءً.

و كُنَّا نتواثبُ سعيدين (5) ،  فتستثيرُ خطواتُنا و أصواتُنا العصافيرَ(6)  المختبئةَ بين السَّنابل ، فتفرُّ مزقزقةً ،  و تقفزُ من هنا قُبَّرَةٌ،  و من هناك جندب (7) ،  و تُذعرُنا سُحَلَة (8)  تمضِي هاربةً بين الأعشابِ اليابسةِ.

  1. و يتعالى غيرَ بَعيد حِدَاءُ و أهازيجُ، يمازجُها صوتُ تكسير السَّنابل تحتَ مناجِل الحصَّادينَ ، و احتكاكُ أقدامهم بالجذوع الباقية في الأرض المجرُودة (9) وَرَاءَهم ، و قد تركوا أكواما مبعثرةً سرعان ما ينقلها العمَّال، و يكَدّسُونهَا حولَ البَيدَر الوَاسِعِ قُرب خرُّوبة كبيرة يستظلّــــــها ثوران أسودان، يفاخرُ بهما أبي كُــــلَّ مالكي المواشي في المنطقة و ها هو ذا سعيد  -ناظرُ الضّيعة- (10)  يُقلّــــبُ التِّبنَ أمام الثَّورين ، و يزيدُ لهُما العَلَفَ ، ثمَّ يعُود فيُلاحقُ الحصَّادينَ و العُمَّالَ ، يُنبّهُ هذا و يحفِزُ ذاك ، و أبِي مع الجميعِ يلتقطُ سنبلة سقطت من الأكوام أثناء نقلها،  أو يُتابعُنا أنا و أخي بأنظاره ينهرُنا لنبتعدَ عن زَوَايَا يَخشَى أن تَكونَ فيهَا أفعَى أو عَقرب.

و تَصِلُ نِسوَةٌ على رُؤُوسهِنَّ مِظلاَّت تحميهنّ من حرارة الشَّمس ،  يلتقطنَ السَّنابل القليلةَ المبعثرةَ التي فاتَتهَا مناجل الحصَّادينَ أو أصَابع الحمَّالينَ.

  1. كنتُ و أخي في سعادة لا توُصفُ . نقفزُ و نلعبُ، و نلهُو و نشتغلُ،  و نسقي الحصّادينَ و نأتيهم بالطَّعَام،  و نُنَاولُ هذا منجَلاً و نُعطِي ذاَكَ حَبْلًا … حتّى إذا جاء الظُّهرُ و انتهى الحصادُ، عُدنا إلى البيتِ ، و قد بدأ يضيقُ بالعُمّال و عائلاتهم الذين دُعُوا لتناول الغداءِ عندنَا ، غداءٍ دسم تتخلّلتْهُ أحاديثُ عن الموسمِ الممتازِ الذي لم تعرفهُ المزرعةُ منذُ سنين كثيرةٍ.

أنيس أبو رافع   ( بتصرف)

  • الشرح :
  • الضّباب : سحاب خفيف يُغشّي الأرض . و الضّباب المُتحدَّثُ عنه كان شفّافا أي رقيقا لا يحجب ما وراءه.
  • نسمة بليلة : ريح خفيفة باردة نديّة .
  • السنابل الحانية : حنى ( يحني) الغصن : عطفه و لواه و السنابل المثقَّلَةُ بحبوبها التَوَتْ و مالت نحو الأرض .
  • عطور شذيّة العبير : العبير : الأخلاط من الطيب . فمن الأرض تفوح روائحُ مختلفة ذكيَّة طيّبة .
  • كنّــــــــــــا نتواثب : كنا نثب هنا و هناك من شدّة الطّرب .
  • تستثيرُ خُطواتنا العصافيرُ : تنفر العصافير فتطير هاربة خائفة .
  • الجندب : هو نوع من الجراد .
  • السحلة : الارنب الصغيرة التي فارقت أمها .
  • الأرض المجرودة : الأرض المحصودة التي بقيت عارية بعد الحصاد.
  • ناظر الضيعة : المهتمّ بشُؤُونها ، و المُراقبُ للأعمال الجارية فيها و هو المسؤول عنها.

لتحميل او طباعة كامل الملف ( 3 صفحات) : انقر الرابط التالي

نص الموسم الكبير – وصف موسم الحصاد التقليدي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى