انتاج كتابي : عاصفة في البحر
ها قد أتى فصل الصيف و فتح أجنحته الحارة على الكون . قررت أنا و عائلتي القيام برحلة بحرية ممتعة عبر الشاطئ لاكتشاف الجزر من حولنا .
لمّا وصلنا إلى الشاطئ وجدنا مصطافين يمرحون و يغنّون و الشاطئ يعجّ بالناس : صفرة رمل و زرقة ماء و صفاء جوّ و إشراقة سماء، إنه فصل الصيف . استلقينا على الشاطئ نتمتع بجمال البحر و هذا الجو الرائع. ثم بقينا ننتظر بفارغ الصبر أن تأتي السفينة لنقوم بالرحلة البحرية . و كنت أمنّي نفسي بقضاء وقت ممتع و التعرف الى أصدقاء جدد . قطعنا التذاكر للصعود على متن السفينة الضخمة العملاقة، و ما إن ركبنا حتى بدأت تمخر عباب البحر الأزرق الصافي . كان المكان هادئا و ساكنا و لكن في الهزيع الأخير من الليل ، صارت السفينة تتمايل يمنة و يسرة ، و يال الهول ، لقد انقلب الطقس رأسا على عقب و أصبحت السفينة تهتزّ بسرعة و بقوة و أصبح البحر هائجا وسط ليل كاحل السواد و الظلمة تعمّ المكان و الطبيعة غاضبة تزمجر و السحب ملبّدة في السماء . ثم عصفت الرياح و ثارت حتى كأن الدنيا مجنونة عاودتها نوبتها فهي تصرخ و تقفز و تمزّق ثوبها بيدها و تشق حنجرتها بصراخها .
خفت خوفا شديدا و ارتعدت أوصالي ، عقد الخوف لساني ، غاب صوتي ، ذاب قلبي و تبددت أحشائي. نظرت الى أمي فإذا هي قد تسمرت في مكانها لا تقوى على الحركة ، تجمّد الدم في عروقها ، جفّ حلقها ، اصطكت أسنانها أما أختي فقد ترقرقت عيناها دموعا فقد ذهلت مما رأت و صارت مذعورة يتملكها خوف شديد . أما أبي فلم يكن بأحسن حال فقد استولت عليه الهواجس و اضطرب و ارتجف و انتشر الهلع و الفزع في قلبه و اختلط عليه الأمر .
اختبأت وراء والدي و أنا ارتجف فأخذت أمي تهدئني و تدعو من الله العليّ القدير أن ينجينا من هول هذه الكارثة و شاركناها الدعاء و التسبيح فنسينا قرقعة الرعد و لمعان البرق و المطر الغزير الذي انهمر على سقف السفينة كقذائف المدفع . و لم نشعر الا و الصبح قد انبلج حاملا معه طقسا هادئا و سماء صافية و واصلنا رحلتنا و ألسنتنا تلهج بالحمد لله الذي أنجانا من كارثة محققة.