نبي الله صالح و قومه ثمود
إن القرآن الكريم يقصّ علينا أخبار بعض الأمم الماضية التي انحرفت عن عبادة الله ، و لم تستجب لدعوة رُسُله، فأهلكها الله بكفرها و عنادها.
و هذه قصّة ما جرى لثمود قوم سيّدنا صالح عليه السلام.
سكنت ثمودُ بواد أرضُهُ عامرةٌ، و مياهُهُ جارية و مَحَاصيلُهُ وَافِرَةٌ . و كانت تُحيطُ به جبَال عالية، نحت القومُ أحَجَارَهَا (2) و شَيَّدُوا في فَجَوَاتهَا مَسَاكنَ وَاســـــــــعةً (3) و قُصورًا شامخة، و جمعوا من جنَّاتِهِمْ أَمْوالا طائلة. و مضى عليهم حين من الدَّهر ، و هم ينعمون برغد العيش ، وسعة الرّزق ، فنسُوا الله ، ظنًّا منهم أنَّهم في نعمتهم خالدون. و اتّخذوا لهم أصناما يعبدونها من دون الله . فبعث الله فيهم ” صالحا” نبيئا (4) . و كان عندهم صادقا حليما، و عاقلا شريفا (5) ، و لو كان لا يعبُدُ ما يعبُدُون.
فدعا صاح قومه إلى عبادة الله وحده ، فهزئوا بدعوته، و لم يؤمن برسالته إلّا نفر قليل من مستضعفي القوم و فقرائهم، و أعرض عنه الكبراء و الأشراف ، معتزين بآلهتهم و تائهين في ضلالتهم. و كلما عاودهم ، ازدادوا منه نفورا، و لرأيه تأنيبا (6) قائلين : ” كيف تنهاه يا صالح عن عبادة آلهتنا ؟ كفّ عنّا، و لا تتنكّب لنا ، فقد كنّا نعدّك فينا عاقلا مصيبا ! ”
و تحمل صالح أذائهم ، دون أن ينثني عن دعوته ، و غير آيس من هدايتهم . و لمّا أعياهُم الأمرُ طلبُوا منهُ أن يُقيم لهم الدّليل على صدقه ، و أن يأتيهم ببُرهان من ربّه . (7) فدعا صالح ربّه ، و استجاب الله تعالى لدُعائه ، و إذا الحجر ينشقُّ أمامهُم . فتبرُزُ منهُ ناقة حمراءُ الوبر، سوداءُ الحدقة، عظيمة الجِرم. و إذا بها ترغُو بين الصُّخُور. قال لهُم صالح : ” هذه ناقلة الله لكُم آية (8) ، فذرُوها تأكل في أرض الله، و لا تمسُّوها بسُوء فيأخُذكُم عذاب قريب “.
لكن هنالك تسعةُ رهط (9) من أشقياء ثمُود عتوا عن أمر ربّهم (10) و استخفُّوا بوعيده (11) فعمدُوا إلى النّاقة فعقرُوها، و قالوا : ” ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين. ” قال لهم صالح : ” ويل لكم (13) فقلد أنذرتكم، و أبيتم إلاّ فسادا، فسيحلّ عليكم غضب من ربّكم (14 ) بعد قليل.” و عجّل الله بعذابه بعد ثلاثة أيام فأهلكهم جميعا إلاّ المؤمنين منهم بصاعقة دمّرت بيوتهم. و رأى صالح جثثهم الهامدة، و ديارهم الخاوية فتولىّ عنهم و قال : يا قوم ، لقد أبلغتكم رسالة ربيّ ، و نصحت لكم، و لكن لا تحبّون النّاصحين “.
قصص القران
( بتصرف)
الشرح :
- ثمود : قبيلة عربية كانت تسكن في القديم بجنوب جزيرة العرب.
2- نحت القوم أحجارها : أي حفروها و سوّوها ليتّخذوا منها مساكن.
- شيّدوا في فجواتها و كهوفها مساكن : الفجوة هي الأرض المنخفضة بين جبلين. و الكهف : هو المغارة ، أو البيت المنقور في الجبل . و المعنى : بنت ثمود مساكنها في مغاور الجبال و بين صخورها.
- بعث الله فيهم ( صالحا) نبيئا : إن الله اختار صالحا و اصطفاه ليرشد قومه إلى ترك عبادة الأصنام و إلى الإقبال على عبادة الله الواحد الأحد. و كذلك جميع الأنبياء و الرسل بعثهم الله لهداية أقوامهم إلى الصراط المستقيم. و آخرهم و أفضلهم سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم المبعوث للناس كافّة.
- كان فيهم صادقا حليما و عاقلا شريفا : إنّ سيّدنا صالحا كان يتمتّع قبل رسالته بثقة قومه لصدق قوله و شرف نسبه و حسن معاشرته.
- ازدادوا منه نفورا و لرأيته تأنيبا : إنّهم كلّما دعاهم صالح لتكسير أصنامهم و لعبادة الله وحده ، ابتعدوا عنه و لاموه أشدّ اللّوم على تعرّضه لآلهتهم.
- يأتيهم ببرهان من ربّه : يقول لهم صالح : ليس من إله غير الله ، فما لكم تعبدون أصناما من حجارة لا تضرّ و لا تنفع ؟ فيعارضه قومه بقولهم : إن كنت صادقا فيما تقول ، و ان أردت أن نصدّقك فليُظهر ربّك على يدك معجزة لا يستطيع غيرك أن يأتي بها “.
- هذه ناقة الله لكم آية : هذه ناقة لا يقدر أحد أن يخرجها من الحجر إلّا الله. و هي علامة محسوسة تشاهدونها و تدلّـــكم على وجود الله و على قدرته.
- تسعة رهط : أي تسعة أشخاص و الرهط : أشخاص يتراوح عددهم من ثلاثة إلى عشرة ليس فيهم امرأة.
- عتوا عن أمر ربهم : أي استكبروا و طغوا و لم يقبلوا أمر ربّهم.
- استخفّوا بوعيده : الوعيد ـ هو التّهديد و المعنى : لما هدّد صالح قومه بعذاب الله استخفّوا به ، أي لم يكثروا لقوله، ظانّين أن ما هددهم به من عذاب لا يتحقق.
- عقروا الناقة : حصدوا قوائمها و قطعوها بالسّيف . ذبحوها
- ويل لكم : دعا بالهلاك : أي تعسا لكم فإنكم هالكون.
- سيحلّ عليكم غضب من ربكم : أي سينزل عليكم عذاب من ربكم.
لتحميل او طباعة الملف كاملا ( 2 صفحات) : انقر الرابط التالي