نبي الله موسى عليه السلام
نبي الله موسى عليه السلام
رأى فرعون رُؤيا أزعجتهُ، فدعا الكهنةَ (1) و السّحرةَ و سألهُم عنها فقالُوا : يُولدُ في بني إسرائيل غُلام يسلُبُك المُلك و يغلبُك على سُلطانك و يُخرجُــــــــــــــــــك و قومك من أرضك ليُبدّل دينك، و قد أدركك زمانهُ (2) فأمر فرعونُ بقتل كلّ غُلام يُولد في بني إسرائيل. و جمع القوابل من النّساء و أمرهُنّ بتنفيذ أوامره.
حملت ” يُو كابد ” زوجةُ عمران بن واهب ، أحد بني إسرائيل، و أخفت حملها حتى تتبين نوع وليدها . و حان وقتُ الوضع ، فوضعت مولُودا ذكـــــــــــرا. و تحيّرت ، و قاست من خوفها على ولدها الأمرّين. فكم هلعت نفسها لأقلّ حركة (3) و كم رجف قلبُها لأدنى صوت، و قد ظنّتهُ لجواسيس فرعون … ! ثمّ كم أمضت من اللّيالي بجوار وليدها تسألُ ربّها أن يحفظهُ لها (4) !
و كان الله مع هذه الأُمّ الحزينة. فقد أوحى إليها ما طمأن قلبها (5) و أرشدها إلى ما تفعلُ . فأحضرت صُندُوقا من الخشب طلت خارجهُ بالقطران، ثُمّ أرضعت طفلها و هي تضُمُّهُ إلى صدرها بعطف و حنان . فلمّا شبع و ارتوى، وضعتهُ في الصُّندُوق ، ثم حملتهُ الى النّيل و كان يُجاورُ منزلها فقذفتهُ فيه و حمل تيّارُ الماء الصندوق ، مُبتعدا به رويدا رويدا عن الأمّ الواقفة على شاطئ النّيل، (6) مُطمئنّة لوعد ربّها أنّهُ رادّ ولدها إليها، و أنّهُ جاعلهُ من المرسلين !
و التفتت إلى ابنتها و قالت لها : قُصّي أثرهُ ( 7) يا مريمُ، و اعرفي لنا خبرهُ ” .
فسارت مريمُ بجوار الشّاطئ مُتستّرة، تتّبع بعينها الصُّندُوق، حتّى ألقى به الموج بين أعشاب مُلتفّة، و أشجار مُتشابكة تتّصلُ بحدائق فرعون. فلم تلبث أن أبصرت بعض وصيفات القصر يفدن إلى السّاحل ليغسلن، و رأتهُنّ يتقدّمن إلى الصُّندوق ،و ينتشلنه (8) من الماء ، وهُنّ يتساءلن : ” ترى ما الذي يحوي هذا الصّندوق؟ ” فحملنهُ إلى سيّدتهن و تبعتهُنّ مريم عن كثب (9) لتقف على مصير أخيها. و فُتح الصندوق أمام آسية زوجة فرعون فاتّسعت عُيُونُ الحاضرين دهشة , و فُغِرت الأفواهُ عجبا…
لقد رأوا بالصُّندُوق طفلا يتحرّكُ … يا للعجب !
و طار الخبر إلى فرعون، فأمر بقتل الطفل خشية أن يكون من أبناء إسرائيل . و لكنّ آسية استعطفت زوجها قائلة ” قرّة عين لي و لك ، لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أ نتّخذه ولدا ” . ثم سيقت إليه المراضع لكنّه عافهنّ جميعا (11) . حينئذ تقدمت مريم و قالت ” هل أدلّـــــكم على أهل بيت يكفلونه لكم و هم له ناصحون ؟ ” و أذن لمريم في إحضار من أشارت إليه ، فأسرعت إلى أمّها . وأفضت إليها بالنّبأ السّعيد. و سارت الأمُّ الى القصر فاستأنس بها الوليد ، و التقم ثديها … و هكذا ردّ الله موسى الى أمّه كي تقرّ عينها ، و لا تحزن ، و لتعلم أنّ وعد الله حقّ .( 12)
محمد أحمد برانق
” قصص الأنبياء ” ( بتصرف )
الشرح :
- الكهنة : الكاهن ( ج كهّان و كهنة ) من يدّعي علم الغيب، أي معرفة ما سيقع في المستقبل من أحداث.
- قد أدركك زمانه : قد حان وقت ولادته .
- هلعت نفسها لأقلّ حركة : هي تتخوّف من كلّ حركة ، و يمتلكها رعب شديد خوفا على ابنها .
- تسأل ربها أن يحفظه لها : ان ” يو كابد ” المؤمنة تضرّعت الى الله تعالى أن يحمي ولدها من شرّ الطّـــــاغية فرعون.
- أوحى الله إليها ما طمأن قلبها : الوحي: هو المعرفة التي تأتي من عند الله. أوحى الله إلى رسوله القرآن الكريم : أي أنزله عليه بواسطة الملك جبرائيل. و المعنى : استجاب الله لدعاء أم موسى و أخبرها بما ستصنع ليتمّ إنقاذ رضيعها من الهلاك ، فذهب عنها ما داخلها من خوف على مصير ابنها.
- النيل : نهر عظيم ينبع في أوساط إفريقيا و يخترق مصر، و يصبّ في البحر الأبيض المتوسّط.
- قصّي أثره : تتبّعي الصّندوق و راقبيه و انظري ماذا سيكون مصيره.
- ينتشلنه من الماء : يخرجنه و ينتزعنه من الماء.
- تبعتهنّ مريم عن كثب : سارت في أثر وصيفات القصر و هي قريبة منهن .
- قرّة عين لي و لك : رأت آسية زوجة فرعون أن تحتفظ بهذا الرضيع علّها تجد فيه سرورا و هناء. فأجاب فرعون رغبتها، و هكذا نجىّ الله موسى و أنشأه في قصر من كان يريد قتله.
- لكنه عافهن جميعا : عاف الطعام : كرهه فتركه… فالرضيع موسى لم يألف من المرضعات واحدة ، و لم يلتقم ثديا من ثديهنّ.
- لتعلم أن وعد الله حق : لتتيقّن أن الله لا يخاف وعده . فقد أخبرها أنه سيحفظ ولدها، و سيردّه إليها. و قد تمّ ما أراد لأنّه لا رادّ لحكمه.
لتحميل او طباعة الملف كاملا ( 4 صفحات) : انقر الرابط التالي