نص : منزل ريفيّ – الكاتب : محمد عبد الحليم عبد الله
يملكُ بعض البشر، قصورا ودورا وأموالا لا حصر لها و لكنّ السّعادة بعيدة عنهم لأنّهم ظنّوا أنفسهم يشترونها بالمال و غاب عن أذهانهم أنّ السّعادة حالة نفسيّة تنبع من الرّضا بالقليل فالقناعة كنز لا يفنى …
***
إن جمال المسكن في نظافته و ترتيبه و إن كان أثاثه بسيطا متواضعا.
- ألحّ عليّ العمّ “خليل” أن أصاحبه إلى بيته ليسقيني الشّايَ الأخضرَ و ليريني ابنه الصَّغيرَ، فإنَّه لاشكَّ عائد من المدرسة. فسلكنا ممرّا ضيّقا عند مدخل البيت، و قد سبقنا كلب يريد أن يُخبر أهله بقدومنا. وتركنا شِمالنَا الفرن و حظيرةَ المواشي و الطُّيورِ، و انحرفنا إلى اليمينِ حيث تقع مشمشة عظيمة مسّها الرّبيع فتألَّقت أغصانها (2) الحمرُ بثوب من الأزهارِ البيضِ النّاصعةِ.
- و دخلنا الكوخ . فشاهدتُ ملامِحَ الفقرِ و ضعفَ الحالِ لكن لمستُ من آثار النّظافَةِ و حُسن التّرتيب ما سرّني و أثار إعجابِـــي ˸فلا كراسيَ و لا أرائكَ بل حصيرٌ عريضٌ لا وسخَ عليه و لا غُبارَ كأنّهُ غُسلَ و نُفضَ قريبا، عليه مسندان خشنانِ أبيضانِ اتّكـــآ إلى الحائط كأنّهما مهيّئان لزائر مُنتظَر. و يُواجهُ الداخلُ على مقربةٍ من الرّكن الأيمن صندوقا مرَّتْ عليه الأيّام ومسحتهُ الأيدي ، فنَصَلَ لونُهُ و غابَ زُخرفُهُ (3) لكن احتفظَ ببهجةٍ تراها على كلِّ جديد. أمَّا الزّاويَةُ التي يكوّنُها الرّكن، فقد شُدَّ فيها حبلٌ يُسمُّونهُ ” الحمّالة “، رَتَّبَت الأسرةُ فوقه ملابسَهَا التي تُبقيها عادة في مُتناول اليد لكثرة استعمالها. وفي ركن آخر من البيت أوان من نُحاس و موقدُ نفطٍ و سفطٌ (4) فيه خبزٌ و أزيارٌ كثيرة لست أدري ما فيها.
- و انقضتْ فترة التّرحيب و شربنا الشاي ثم دخل علينا غُلام في السّابعة من عُمُره فحين أهلَّ من الباب هَتَفَ به أبوه ˸ ” أهلا بابني الصّغير! سلّم على ضيفنا ” . ثم التفت إليَّ و قالَ في إعجاب ˸ ” إنّه ليقطع كيلو مترات كل يوم ليذهبَ إلى المدرسة و يعودَ منها ” . و انحنى الطفلُ عليَّ ليقبِّلَ يَدِي ، ثم عرَّجَ (5) على أبيه فأعطاهُ يُمناهُ. و ابتعد عنَّا بعد ذلك فحطَّ عن كتفه حمائل كيس من القماش جعله كالحقيبة و حشر فيه جميع أدواته، ثم شدّ الكيس إلى مسمار دُقَّ في الحائط، و عاد إلى جانبي ، تفيضُ عيناه بالأنس و البراءة.
محمد عبد الحليم عبد الله
“شمس الخريف” ( بتصرف)
الشرح ˸
- مسّها الربيع ˸ كلّما لمس الربيع الأرض و الأشجار ، بثّ فيها الخضرة و الأنوار.
- تألّقت الأغصان ˸ تزيّنت و استضاءت ولمعت بأزهارها.
- نصل لونه و غاب زخرفه ˸ أصبح لونه فاترا و ذهب بريقه و أزيله زينته بكثرة الاستعمال.
- السّفط ˸ وعاء من قضبان الشجر و نحوها توضع فيه الأشياء كالخبز و الفاكهة و الثياب.
- عرّج على أبيه ˸ اتّجه نحوه.
لتحميل أو طباعة الملف ( 2 صفحات) : انقر الرابط التالي